أمراض المريء: الدليل الشامل للحفاظ على صحة بوابة جهازك الهضمي

Author name

يوليو 13, 2025

يُعد المريء، ذلك الأنبوب العضلي الذي يربط بين البلعوم والمعدة، بوابة عبور الطعام والسوائل إلى الجهاز الهضمي، وأي خلل يصيب هذا العضو الحيوي قد يؤثر بشكل كبير على جودة حياة الفرد. تمتد أمراض المريء من الحالات الشائعة والبسيطة مثل حرقة المعدة العابرة إلى أمراض أكثر تعقيدًا وخطورة كسرطان المريء. إن فهم هذه الأمراض وأعراضها وأسبابها وطرق تشخيصها وعلاجها هو خطوة أساسية نحو الوقاية والحفاظ على صحة الجهاز الهضمي بأكمله.

تشريح المريء ووظيفته الأساسية

لفهم أمراض المريء، لا بد من معرفة القليل عن تركيبته ووظيفته. المريء هو أنبوب عضلي يبلغ طوله حوالي 25 سنتيمترًا، مبطن بغشاء مخاطي لحمايته وتسهيل مرور الطعام. في الجزء العلوي من المريء توجد عضلة عاصرة (صمام) تفتح وتغلق للسماح بمرور الطعام من الحلق، وفي الجزء السفلي توجد عضلة عاصرة أخرى، وهي العضلة العاصرة المريئية السفلية (LES), التي تعمل كصمام أحادي الاتجاه يسمح بمرور الطعام إلى المعدة ويمنع ارتداد محتوياتها الحمضية إلى المريء.

تتمثل الوظيفة الأساسية للمريء في نقل الطعام من الفم إلى المعدة عبر سلسلة من الانقباضات العضلية المنظمة التي تُعرف بالحركة الدودية. أي اضطراب في هذه الحركة أو في وظيفة العضلات العاصرة يمكن أن يؤدي إلى مجموعة متنوعة من المشاكل الصحية.

أكثر أمراض المريء شيوعًا: الأعراض والأسباب

تتنوع أمراض المريء وتتداخل أعراضها أحيانًا، مما يستدعي تشخيصًا دقيقًا من قبل طبيب مختص. فيما يلي تفصيل لأبرز هذه الأمراض:

1. داء الارتجاع المعدي المريئي (GERD): العدو الصامت

يُعتبر ارتجاع المريء أو الارتجاع المعدي المريئي من أشهر أمراض الجهاز الهضمي وأكثرها انتشارًا. يحدث هذا المرض نتيجة لضعف أو ارتخاء العضلة العاصرة المريئية السفلية، مما يسمح لحمض المعدة ومحتوياتها بالرجوع إلى المريء بشكل متكرر. هذا الارتداد الحمضي المستمر يسبب تهيجًا والتهابًا في بطانة المريء.

أعراض ارتجاع المريء:

  • حرقة المعدة (الحموضة): وهو العرض الأكثر شيوعًا، ويتمثل في شعور حارق خلف عظمة القص، وقد يمتد إلى الحلق.
  • الارتجاع الحمضي: شعور بصعود سائل حامض أو مر إلى الفم.
  • عسر البلع: الإحساس بأن الطعام يعلق في الحلق أو الصدر.
  • ألم في الصدر: قد يكون حادًا ويشبه ألم النوبة القلبية، مما يستدعي استبعاد أمراض القلب أولًا.
  • السعال الجاف المزمن، بحة في الصوت، والتهاب الحلق: خاصة في الصباح، نتيجة وصول الحمض إلى الحنجرة.
  • الشعور بوجود كتلة في الحلق.
  • زيادة إفراز اللعاب.

أسباب وعوامل خطر ارتجاع المريء:

  • السمنة: زيادة الوزن تزيد الضغط على البطن والمعدة.
  • فتق الحجاب الحاجز: بروز جزء من المعدة إلى الصدر عبر فتحة في الحجاب الحاجز.
  • الحمل: التغيرات الهرمونية وزيادة الضغط على البطن.
  • التدخين: يضعف وظيفة العضلة العاصرة المريئية السفلية.
  • تناول أطعمة معينة: مثل الأطعمة الدهنية والمقلية، الشوكولاتة، النعناع، الحمضيات، الطماطم، والأطعمة الحارة.
  • تناول مشروبات معينة: مثل القهوة، الشاي، المشروبات الغازية، والكحول.
  • تناول وجبات كبيرة أو الاستلقاء بعد الأكل مباشرة.
  • بعض الأدوية: مثل بعض أدوية الربو، حاصرات قنوات الكالسيوم، ومسكنات الألم.

2. التهاب المريء (Esophagitis): تهيج وتلف البطانة

التهاب المريء هو التهاب أو تهيج في بطانة المريء. قد يكون ارتجاع المريء هو السبب الأكثر شيوعًا، ولكن هناك أسباب أخرى.

أنواع التهاب المريء وأسبابه:

  • التهاب المريء الارتجاعي: يحدث بسبب ارتجاع المريء المزمن.
  • التهاب المريء اليوزيني (EoE): حالة مناعية مزمنة تتجمع فيها خلايا الدم البيضاء (اليوزينيات) في بطانة المريء، غالبًا كرد فعل لمسببات الحساسية الغذائية.
  • التهاب المريء الدوائي: يحدث عندما تلتصق بعض الأدوية (مثل بعض المضادات الحيوية ومسكنات الألم) في المريء لفترة طويلة، مما يسبب تهيجًا وتقرحات.
  • التهاب المريء العدوائي: ينجم عن عدوى بكتيرية، فيروسية (مثل الهربس)، أو فطرية (مثل الكانديدا)، وهو أكثر شيوعًا لدى الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة.

أعراض التهاب المريء:

تتشابه أعراضه مع أعراض ارتجاع المريء، ولكنها قد تكون أكثر حدة، وتشمل:

  • صعوبة وألم عند البلع (عسر البلع المؤلم).
  • انحشار الطعام في المريء.
  • ألم في الصدر.
  • حرقة في المعدة.
  • تقيؤ دموي أو براز أسود (في الحالات الشديدة).

3. مريء باريت (Barrett’s Esophagus): تغيرات خلوية محتملة الخباثة

مريء باريت هو حالة خطيرة تحدث كمضاعفة لارتجاع المريء المزمن طويل الأمد. في هذه الحالة، يتغير نوع النسيج المبطن للجزء السفلي من المريء ليصبح شبيهًا بالنسيج المبطن للأمعاء. هذا التغير الخلوي (الحؤول) يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بسرطان المريء الغدي.

لا يسبب مريء باريت أعراضًا بحد ذاته، بل تكون الأعراض هي أعراض ارتجاع المريء. لذلك، فإن التشخيص المبكر والمتابعة الدورية بالمنظار للأشخاص الذين يعانون من ارتجاع المريء المزمن أمر ضروري للكشف عن هذه الحالة.

4. تعذر الارتخاء المريئي (Achalasia): اضطراب الحركة

الأكالازيا أو تعذر الارتخاء المريئي هو اضطراب حركي نادر في المريء. في هذه الحالة، تفشل الأعصاب في المريء في إرسال إشارات صحيحة للعضلات، مما يؤدي إلى مشكلتين رئيسيتين:

  1. عدم قدرة عضلات المريء على دفع الطعام إلى الأسفل (غياب الحركة الدودية).
  2. فشل العضلة العاصرة المريئية السفلية في الارتخاء للسماح بمرور الطعام إلى المعدة.

أعراض تعذر الارتخاء المريئي:

  • عسر البلع (للسوائل والمواد الصلبة): هو العرض الرئيسي ويزداد سوءًا بمرور الوقت.
  • ارتجاع الطعام غير المهضوم: قد يعود الطعام إلى الفم بعد فترة من تناوله.
  • ألم في الصدر: قد يكون شديدًا بعد تناول الطعام.
  • فقدان الوزن غير المبرر.
  • السعال الليلي والالتهاب الرئوي التنفسي نتيجة دخول الطعام إلى الرئتين.

5. سرطان المريء: المرض الخطير

يُعد سرطان المريء من الأمراض الخطيرة التي تتطلب تشخيصًا وعلاجًا مبكرًا. هناك نوعان رئيسيان:

  • سرطان الخلايا الحرشفية: ينشأ في الخلايا الحرشفية التي تبطن المريء، ويرتبط بشدة بالتدخين والإفراط في شرب الكحول. يشيع في الجزء العلوي والمتوسط من المريء.
  • السرطان الغدي: ينشأ في الخلايا الغدية، وهو النوع الأكثر شيوعًا في الدول الغربية. يرتبط بشكل مباشر بارتجاع المريء المزمن ومريء باريت، ويحدث عادة في الجزء السفلي من المريء.

أعراض سرطان المريء الأولية والمتقدمة:

في المراحل المبكرة، قد لا يسبب سرطان المريء أي أعراض. ومع تقدم المرض، تظهر الأعراض التالية:

  • صعوبة في البلع (عسر البلع): يبدأ بالشعور بصعوبة في بلع الأطعمة الصلبة ثم يتطور ليشمل السوائل.
  • فقدان الوزن غير المتعمد.
  • ألم في الصدر أو الظهر أو بين لوحي الكتف.
  • بحة في الصوت أو سعال مستمر.
  • عسر هضم أو حرقة معدة متفاقمة.
  • التقيؤ أو السعال المصحوب بالدم.

تشخيص أمراض المريء: أدوات الكشف الدقيقة

يعتمد التشخيص الدقيق لأمراض المريء على التاريخ المرضي والفحص السريري، بالإضافة إلى مجموعة من الفحوصات المتخصصة:

  • التنظير الداخلي العلوي (EGD or Upper Endoscopy): هو الإجراء التشخيصي الأكثر أهمية. يتم إدخال أنبوب رفيع ومرن مزود بكاميرا (منظار) عبر الفم لفحص المريء والمعدة والاثني عشر. يسمح التنظير برؤية أي التهاب، تقرحات، أورام، أو تغيرات في الأنسجة مثل مريء باريت. كما يمكن أخذ عينات من الأنسجة (خزعة) لتحليلها.
  • الأشعة السينية مع الباريوم (Barium Swallow): يقوم المريض بابتلاع سائل يحتوي على الباريوم الذي يغطي بطانة المريء، مما يجعلها واضحة في صور الأشعة السينية. يساعد هذا الفحص في تحديد مشاكل البنية والبلع.
  • قياس ضغط المريء (Esophageal Manometry): يُستخدم هذا الفحص لتقييم وظيفة عضلات المريء والعضلة العاصرة المريئية السفلية. يتم إدخال أنبوب رفيع حساس للضغط عبر الأنف إلى المريء لقياس قوة وتنسيق الانقباضات العضلية. هذا الفحص ضروري لتشخيص تعذر الارتخاء المريئي.
  • مراقبة درجة الحموضة (pH Monitoring): يعتبر المعيار الذهبي لتشخيص ارتجاع المريء. يتم وضع مسبار صغير في المريء لمدة 24-48 ساعة لقياس وتسجيل عدد مرات ومدة ارتداد حمض المعدة.

علاج أمراض المريء: من تغيير نمط الحياة إلى الجراحة

تعتمد خطة العلاج على نوع المرض وشدته.

علاج ارتجاع المريء والتهاب المريء

  1. تغيير نمط الحياة والنظام الغذائي:
    • فقدان الوزن: هو العلاج الأكثر فعالية للمرضى الذين يعانون من زيادة الوزن.
    • تجنب الأطعمة والمشروبات المحفزة.
    • تناول وجبات صغيرة ومتكررة.
    • عدم الاستلقاء لمدة 2-3 ساعات بعد تناول الطعام.
    • رفع رأس السرير بمقدار 15-20 سم.
    • الإقلاع عن التدخين.
  2. العلاج الدوائي:
    • مضادات الحموضة (Antacids): توفر راحة سريعة ومؤقتة.
    • حاصرات مستقبلات H2 (H2 Blockers): تقلل من إنتاج حمض المعدة (مثل فاموتيدين).
    • مثبطات مضخة البروتون (PPIs): هي الأدوية الأقوى لتقليل إنتاج الحمض وتساعد في شفاء بطانة المريء (مثل أوميبرازول، إيزوميبرازول، بانتوبرازول).
  3. الجراحة:
    • عملية تثنية القاع (Fundoplication): هي الجراحة الأكثر شيوعًا لعلاج ارتجاع المريء الشديد. يتم فيها لف الجزء العلوي من المعدة حول الجزء السفلي من المريء لتقوية العضلة العاصرة ومنع الارتجاع.

علاج الحالات المتقدمة

  • علاج مريء باريت: يركز على علاج ارتجاع المريء بقوة باستخدام مثبطات مضخة البروتون والمراقبة الدورية بالمنظار. في حالة وجود خلايا ما قبل سرطانية (خلل التنسج)، يمكن استخدام علاجات استئصالية بالمنظار مثل الاستئصال بالترددات الراديوية (RFA) لتدمير الأنسجة غير الطبيعية.
  • علاج تعذر الارتخاء المريئي (الأكالازيا): الهدف هو إرخاء العضلة العاصرة المريئية السفلية. الخيارات تشمل:
    • التوسيع بالبالون (Pneumatic Dilation): توسيع الصمام باستخدام بالون يتم نفخه بالمنظار.
    • بضع العضل بالمنظار (Laparoscopic Heller Myotomy): جراحة لقطع عضلات الصمام السفلي.
    • حقن البوتوكس: حقن البوتوكس في الصمام لإرخائه، وهو حل مؤقت.
    • POEM (Peroral Endoscopic Myotomy): إجراء حديث يتم فيه قطع العضلات من داخل المريء باستخدام المنظار.
  • علاج سرطان المريء: يعتمد على مرحلة السرطان والصحة العامة للمريض. تشمل الخيارات الجراحة (استئصال المريء)، العلاج الكيميائي، العلاج الإشعاعي، والعلاجات الموجهة والمناعية.

الوقاية خير من قنطار علاج

يمكن الوقاية من العديد من أمراض المريء أو تقليل خطر الإصابة بها من خلال اتباع نمط حياة صحي:

  • حافظ على وزن صحي.
  • اتبع نظامًا غذائيًا متوازنًا غنيًا بالفواكه والخضروات.
  • تجنب التدخين والكحول.
  • تعامل مع حرقة المعدة بجدية ولا تهملها، واستشر الطبيب إذا كانت متكررة.
  • عند تناول الأدوية، اشرب كمية كافية من الماء ولا تستلقِ مباشرة بعد تناولها.

إن المريء هو ممر حيوي لصحتنا، وأي شعور بعدم الارتياح أو أعراض مستمرة مثل صعوبة البلع، حرقة المعدة المزمنة، أو فقدان الوزن غير المبرر، يتطلب استشارة طبية فورية. التشخيص المبكر والعلاج المناسب هما مفتاح التغلب على أمراض المريء والحفاظ على جودة الحياة.

أضف تعليق